فقدان الشهية العصبي.. اضطراب يعيق أداء الجسم
يستهدف فقدان الشهية العصبي الأشخاص الذين يسعون للتخلص من الوزن بشكل فائق أو للبحث عن النحافة الزائدة بواسطة حمية غذائية قاسية، وخاصة الفتيات، ويصنف ضمن الأمراض العضوية والنفسية، ويحدث هذا الاضطراب في المرحلة العمرية ما بين 20 و30 عاماً، بعدم تناول كافة العناصر التي تحافظ على صحة الجسم وطبيعته، وعلى الرغم من أن هناك عاملاً وراثياً يتسبب في الإصابة، إلا أن عدم اقتناع المريض بمظهره الخارجي يعد من أهم المسببات، ويؤدي المرض إلى العديد من المضاعفات الجسدية والنفسية التي تهدد الحياة، وفي السطور المقبلة يحدثنا الخبراء والاختصاصيون عن هذا الموضوع تفصيلاً.
تقول الدكتورة ثمينة رحمان استشارية طب الأسرة: إن فقدان الشهية العصبي يعد أحد اضطرابات تناول الطعام التي تعيق الأداء الصحي والنفسي والاجتماعي للمراهقين والكبار على حد سواء، والأكثر شيوعاً لدى النساء، ويحدث أحياناً بسبب العوامل الوراثية، حيث تمت ملاحظة خلل وظيفي وهيكلي في دماغ المرضى الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي، ومن العسير التأكد مما إذا كان هذا المرض ناجماً عن هذه التغيرات في الدماغ أم حدث نتيجة لهذه الاضطرابات، وعلى الرغم من أن جهود فقدان الوزن تتضمن خطوات إيجابية نحو حياة صحية أفضل، إلا أن الإفراط في ذلك يؤدي إلى مشكلات صحية خطرة، وهناك نوعان لفقدان الشهية العصبي، يتمثل الأول في فرض قيود مفرطة على الشهية لتناول الطعام، إذ يكمن ذلك في حالة عدم وجود نهم مرضي عصبي، وتطهير المعدة عبر التقيؤ المتعمد، أو سوء استخدام المسهلات أو مدرات البول أو الحقن الشرجية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل ظهور الأعراض، ويمكن التوصل إلى فقدان الوزن في هذه الحالة عبر اتباع نظام غذائي، والصوم، أو الإفراط في ممارسة التمارين الرياضية، أما النوع الثاني وهو النهم المرضي العصبي، أي تناول الطعام بشراهة ونهم والتخلص من الطعام بعد ذلك بطرق غير سليمة، ويمكن تخفيف الوزن عبر استخدام الملينات، أو بعض الوسائل الأخرى التي تم ذكرها.
فحوص التشخيص
توضح الدكتورة رحمان أن تشخيص الإصابة بفقدان الشهية العصبي يمكن من خلال استخدام أداة اختبار سريعة لفحص اضطرابات الأكل لدى الأفراد من عمر 13 عاماً فما فوق، وتتضمن توجيه خمسة أسئلة للمريض، وعند وجود إجابتين غير طبيعيتين، تصنف الحالة على أنها شديدة ومحددة لاضطرابات الأكل، ويجب أن يُجري التقييم طبيب نفسي، اعتماداً على معايير تشخيص الاضطرابات العقلية، حيث إن العلاج النفسي يعتبر المعيار الذهبي لإدارة الحالات المصابة، كما أثبت التدخل المبكر فاعليته في الوقاية من هذا الاضطراب لدى الكبار، وتشمل مخاطر فقدان الشهية العصبي انخفاضاً في ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب وعدم انتظامهما، والإغماء، ونقص الفيتامين، وغياب الحيض، وجفاف البشرة، والنوبات، وتساقط الشعر، والإمساك، والارتجاع المعدي المريئي، والتمدد الحاد في المعدة، والتمزق، والحصوات الكلوية، والفشل الكلوي، وضعف العظام، وتكلس المفاصل، والجفاف، وهشاشة العظام.
مضاعفات الإصابة
تشير الدكتور ديانا نحاس استشارية الطب النفسي إلى أن فقدان الشهية العصبي يمكن أن يشمل العديد من المضاعفات الجسدية والنفسية، قصيرة أو طويلة الأجل، والتي ربما تكون خطرة، ومن المحتمل أن تهدد الحياة، اعتماداً على حدة وحالة الاضطراب، وربما تظهر واحدة أو أكثر من هذه العواقب، على النحو التالي:
* نقص العناصر الغذائية المهمة والمعادن والفيتامينات في الجسم، وخاصة فقدان البوتاسيوم الذي يعد الأكثر خطورة، لأنه يسبب اضطرابات في ضربات القلب أو السكتة القلبية والوفاة.
* سوء التغذية الحاد، وهو ما يعني افتقار الدماغ إلى المغذيات الدقيقة.
* هشاشة العظام، أو فقدان الكالسيوم والمعادن الأخرى الموجودة في العظام، حيث يجري بناء المكون العظمي لدى الأشخاص حتى سن 20-25 سنة، وإذا لم يتحقق هذا بشكل صحيح للجسم، فربما يسبب هشاشة العظام مدى الحياة، مع خطر الكسور بمعدل أعلى من المعتاد.
* غياب الدورة الشهرية أو انقطاع الطمث بسبب فقدان الوزن الكبير.
* تدهور في الأسنان.
* الفتور الشديد.
* الشعور ببرودة في الأطراف (اليدين والقدمين).
* مشاكل الجهاز الهضمي مثل الإمساك أو الانتفاخ.
معاناة نفسية
تذكر الدكتورة نحاس أن الإصابة بفقدان الشهية النفسي يمكن أن تنتج عنه بعض المخاطر على الصعيد النفسي مثل الأرق والأفكار التي تخص الطعام والوزن، أو انخفاض احترام الذات أو انطباع صورة مشوهة تتكون للفرد عن جسده ونفسه، أو اضطراب المزاج مثل الاكتئاب والأفكار الانتحارية، أو العزلة والانسحاب الاجتماعي وعدم الرغبة في تناول الطعام في الأماكن العامة، أو الخوف من زيادة الوزن، والشعور بالوحدة لأن الشخص الذي يعاني من فقدان الشهية لا يجرؤ على الحديث عما يحدث له، أو لأنه مقتنع بأن أحداً لا يستطيع فهمه، وكذلك إنكار الاعتراف بحقيقة الاضطراب الذي يعاني منه وشدته.
وتضيف: يؤثر فقدان الشهية العصبي على فرص الإنجاب بالنسبة للإناث، حيث إنه يتسم بفقدان الوزن والافتقار إلى المغذيات، ونقص التغذية ما يقلل بشكل كبير من فرص الحمل، ومن المفترض أن الخصوبة تنخفض بنحو 90٪ مع فقدان الشهية، وتشمل المضاعفات انقطاع الطمث، أو غياب غير طبيعي للدورة الشهرية العادية، أو عدم القدرة على الإباضة، أو قلة الطمث، أو ندرة فترات الحيض، ومع ذلك، ربما يكون الحمل ممكناً، ولتحسين الفرص يجب الوصول إلى وزن صحي، والحصول على كمية مقبولة من الطعام (وخاصة الدهون)، وتقليل ممارسة التمارين الرياضية المفرطة.
تدابير علاجية
توضح الدكتورة نحاس أن الأولوية في علاج فقدان الشهية العصبي تعتمد على استعادة الوزن، وبخاصة عندما يكون سوء التغذية سبباً في وصول الشخص إلى درجة الخطر الحقيقي، وربما تكون حياته على المحك، وفي بعض الحالات، يكون دخول المستشفى أمراً لا مفر منه، ويكون ذلك بمساعدة مختص تغذية، ويجب على المريض تحقيق عدة أهداف مثل استعادة الوزن الطبيعي والحفاظ عليه، وإعادة توازن تناول الطعام بشكل طبيعي، من دون خوف أو قلق، كما أن العلاج النفسي مهم أيضاً لمعالجة القضايا العاطفية والمعرفية الكامنة التي تؤدي إلى اختلال تناول الطعام، وهناك أشكال مختلفة ومتعددة منه كالعلاج المعرفي أو السلوكي، وعلاج العقل والجسم، العلاج الأسري، والعلاج الجماعي.
خطة متابعة
تؤكد الدكتورة نحاس على أن الجهاز الهضمي لدى المصاب بفقدان الشهية العصبي لم يعد مستعداً لتلقي الطعام وهضمه، وربما تقلصت المعدة بشكل كبير، ومن الممكن أن يعتري المريض شعور بعدم القدرة على ابتلاع بضع لقيمات، ولذلك من الضروري وضع برنامج مناسب للوجبات، وتناول الوجبات الخفيفة عدة مرات في اليوم، والتركيز على الأطعمة الغنية بالطاقة وغير الثقيلة على المعدة مثل المكسرات والكاجو والمشمش المجفف، وفي الوقت نفسه، تجب مراقبة نقص العديد من الفيتامينات والمغذيات لدى المرضى، والتي غالباً ما تؤخذ على شكل مكملات غذائية، ومن المهم بشكل خاص توفير مكمل البوتاسيوم للقلب والكالسيوم وفيتامين (D) والمغنيسيوم لتقوية العظام، ويمكن أن تستغرق هذه العملية عدة سنوات، ومن الضروري أيضاً العمل على التذوق والاشمئزاز، حيث إن بعض الأطعمة تصنف على أنها مخيفة أو تعتبر محرمة للمرضى، وخاصة تلك التي تزيد الطاقة، وتكمن الفكرة في إعادة تقديم الأطعمة التي حذفت تدريجياً من خلال العمل على التذوق، ويكون ذلك بالعمل بالتوازي مع العلاج النفسي الذي يركز على المسببات لدى المريض بهدف الشفاء من اضطراب الأكل.
فئة مستهدفة
يوضح الدكتور جوني باباتشين آفوركاران، مختص الطب الباطني أن فقدان الشهية العصبي اضطراب في تناول الطعام، يعاني فيه المرضى خوفاً شديداً من تناول الطعام، لأنهم يرغبون في فقدان الوزن والظهور بمظهر أنحف، ولهذا المرض عواقب صحية خطيرة وربما يكون قاتلاً، ويعد أكثر شيوعاً عند الإناث، كما أن خطر ظهوره يكون أكبر عند العاملات في مجال التمثيل وعرض الأزياء والرقص والرياضة والمصارعة والتزلج، حيث يكون المظهر مهماً، وعادة يتسم الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي بإنجازاتهم العالية وتفوقهم ومعدلاتهم المرتفعة في المدارس والمنافسات الرياضية والحياة المهنية، كما أنهم يميلون إلى الكمال، فضلاً عن إصابتهم بأعراض الاكتئاب والقلق والهوس.
أعراض المرض
يشير د. آفوركاران إلى أن مرض فقدان الشهية العصبي يبدأ عادة في سن المراهقة، لكنه يتطور في أي وقت، حيث يتناول هؤلاء الأشخاص كميات قليلة من الطعام، حتى عندما يشعرون بالجوع ويتدربون بكثرة، ويفعلون أشياء أخرى مثل إجبار أنفسهم على التقيؤ، فهم يرون أن أجسامهم ومظاهرهم ليست طبيعية، وربما يعتقدون أنهم مصابون بالبدانة حتى عندما يعانون من نقص الوزن، ولا يدركون أن انخفاض وزن الجسم يؤدي إلى مضاعفات طبية خطرة، ومن علاماته أيضاً استغراق الشخص الكثير من الوقت في التفكير في الطعام والوجبات وكمية السعرات الحرارية، ووضع الكثير من القوانين المتعلقة بتناول الطعام، وتفويت مواعيد الوجبات، وعدم تناول الطعام في الأماكن العامة، كما أنهم ينكرون معاناتهم من مشكلة ويتجنبون العلاج.
الشراهة العصبية
مرض الشراهة العصبية اضطراب مختلف في تناول الطعام، يصيب الأشخاص الذين يتعرضون للمشكلات، وينتج عنه إحباط وضغط نفسي، ويلجأون لتناول كميات كبيرة من الطعام من دون وعي أو تفكير، وتشير الدراسات والأبحاث إلى أن هذا المرض شائع بين النساء أكثر من الرجال، حيث يتسم المصابون بالوزن الطبيعي قياساً إلى طولهم، ولذلك لا يدرك الآخرون أن هؤلاء لديهم اضطراب في الأكل، كما أنهم يفرطون في تناول الطعام مرة في الأسبوع على الأقل لمدة ثلاثة شهور أو أكثر، يشعرون خلالها بفقدانهم السيطرة على أنفسهم، وبالذنب أو الخجل، ثم يستخدمون الأدوية التي تحث على التقيؤ أو الإخراج، وينصح الأطباء هؤلاء المرضى بممارسة بعض الهوايات للتخفيف من الضغوط النفسية كالقراءة، والتمارين الرياضية، والتسوق، مع تبديل الوجبات الدسمة بأخرى قليلة السعرات الحرارية.
The full original Article was published in Khaleej Times