إضطرابات الأكل عند المراهقين: مشكلةٌ تؤرق الأهل
إنها من أكثر المشكلات التي يعانيها الأهل مع أولادهم، ألا وهي إضطرابات الأكل. فمن الخوف المتزايد من السمنة إلى الإفراط في تقليد المشاهير وعارضي الأزياء، يدور المراهقون ومعهم
ذويهم في دوامة إضطرابات الأكل والمشاكل الناجمة عنها.
أنواع إضطرابات الأكل
يقول جاريد ألدين، المعالج النفسي المرخص في مركز علم الأعصاب الألماني في دبي أن اضطرابات الأكل عند المراهقين يمكن أن تأخذ عدة أشكال، ويمكن أن تتفاوت بحسب الأشخاص الذين يعانون منها. فمن الممكن مثلاً أن يتوقف أحد المراهقين عن تناول الباستا لاعتقاده بأنها ضارة له، فيما قد يعتقد آخر أن اللحم لا يفيده. لكن الشائع في اضطرابات الأكل عند المراهقين هو فقدان الشهية والبوليميا أو الشره المرضي.
فقدان الشهية هو عندما يحاول المراهق تقليل كميات الطعام التي يتناولها خوفاً من اكتساب الوزن والسمنة، وهو ما حاول معظمنا النجاح فيه كما يؤكد جاريد. ويهيمن مرض فقدان الشهية على حياة المراهق بشكل كبير بحيث يصبح جل اهتمامه وتفكيره الدائم. وتسيطر عليه فكرة أنه سمين ويجب عليه إنقاص وزنه، وإن كان من حوله يؤكد له العكس لكن من يعاني من هذا المرض لا يستطيع إلا رؤية نفسه بهذا الطريقة وبالتالي لا يقتنع بما يقوله الآخرون.
أما المرض الآخر فهو البوليميا أو ما يُعرف بالشره المرضي، ويصفه جاريد بأنه زيادة في تناول الطعام ثم تقيؤه، وبعكس مريض فقدان الشهية، فإن مريض البوليميا يعلم تماماً عدم صوابية ما يفعله ولهذا يحاول الإختباء من الآخرين عند تقيؤ الطعام. ويصحب ذلك كماً كبيراً من الطقوس والسرية لدى مصابي هذا المرض. ويتخايل لهذا المريض أن بعض الطعام هو نظيف فيما البعض الآخر ليس كذلك. وعادةً ما يميل مرضي الشره المرضي إلى تناول الطعام السريع وفي ساعات متأخرة من الليل ثم العمد إلى تقيؤه. ومع مرور الوقت يصبح هذا التصرف نوعاً من الإدمان عند المراهق.
أسبابٌ جسدية ونفسية
يؤكد جاريد أن هناك أسباباً جسدية ونفسية وراء اضطرابات الأكل، وهي نوعٌ من الحاجة لرفع التوتر أو السيطرة. وأكثر المصابين بهذه الإضطرابات هم من المراهقين، بسبب توقع الأهل منهم التصرف كراشدين في حين لا يملكون بعد قوة اتخاذ القرار التي يملكها الراشدون. وبهذا يعاني المراهق الذي يجد هذا التفكير جائراً بحقه ويصبح الأكل هو الشيء الوحيد الذي يمكنه السيطرة عليه معظم الوقت.
الصبية أكثر قدرة على تأكيد أنفسهم في هذه المرحلة، فيما تبقى القتيات في خضم النزاع المفتوح مع محيطهن. ولهذا نجد نسبة الفتيات اللواتي يعانين من اضطرابات الأكل أكبر من الصبية كما يؤكد جاريد. ينجح الصبية في إخفاء اضطراب الأكل وراء ممارسة الرياضة واللياقة البدنية، وقد يبدو أنهم يأكلون طبيعياً لكنهم يبقون منشغلين بكيفية أدائهم في ملاعب الرياضة، وأصح الأمثلة عن ذلك هم المصارع الذي يقول أنه يجب أن يحافظ على وزن معين لينافس ويكسب.
والواقع أن حديث المجتمع المطول عن الحميات والأكل خصوصاً الصحي منه لا يساعد المراهق في التحكم بالأكل جيداً، وإن كان للعائلة تاريخٌ في اضطراب الأكل سيكون له أيضاً تأثيرٌ سلبيٌ على المراهق، يقول جاريد.
ما أعراض اضطرابات الأكل؟
ينصح جاريد الأهل بملاحظة التالي:
1.الأولاد الذين يريدون تناول الطعام بمفردهم
2.متابعة ما يقولونه عن الطعام وعن أجسادهم
3.ملاحظة ما إذا تكوَن لديهم معتقدٌ جديد عن الأكل مغاير لما تمَ تنشئتهم عليه
4.متابعة ما إذا بدأوا بالتكتم والمكوث وقتاً أطول في الحمام
5.ملاحظة أي تغييرات في أجسادهم قد تبدو مقلقة.
عواقب اضطرابات الأكل عند المراهقين
يقول جاريد أن القلق الأكبر هو في تطور الدماغ، نظراً لكونه في حال مستمرة من التغير وذلك حتى بلوغنا الخامس والعشرين من العمر. وبالتالي فإن المراهق، خاصة المصاب بفقدان الشهية، يقوم بتجويع عقله بحرمانه من الدهون والمغذَيات الملائمة لنموه، وهو ما يخشى المجتمع الطبي من أنه قد يعيق قدرات إتخاذ القرارات عند المراهفين.
ويضيف جاريد أن من السهل معرفة مرضى فقدان الشهية مبكراً أكثر من الشره المرضي، مضيفاً أن فقدان الشهية قد يؤدي إلى الموت بسبب التجويع. وينجح معظم المراهقين في إخفاء مشكلتهم ويستخدمون طريقة تناولهم الطعام غير الصحي كوسيلة لإدارة مشاعرهم وضغوطاتهم. وتكون النتيجة هي لجوئهم إلى هذا الأسلوب طوال حياتهم كلما وقعوا تحت ضغط كبير، مما يؤثر على صحتهم ويجعل توترهم أكثر حدةً.
دور الأهل والمجتمع
إنتبهوا أيها الأهل لما ترددوه، ينصح جاريد. فإن حديثكم الدائم عن اكتسابكم للوزن الزائد وحاجتكم للحمية سيؤثر في أولادكم أيضاً، وليكن حديثكم عن أجسادكم بطرق إيجابية وصحية خصوصاً أمام الأولاد.
أظهروا اعتدالاً في الحديث عن الطعام، ولا تصنفَوه بجيد وسيء. لم يكن أجدادنا يتحدثون بهذه الطريقة، بل كيف أنهم محظوظون للحصول على هذا الطعام، يقول جاريد. إنتبهوا لطريقة حديثكم عن الآخرين أيضاً، خاصةً إذا كنتم تنتقدون طريقة أكلهم وإدارة أوزانهم، قد يبدو هذا أمراً عادياً لكنه سيترك أبلغ الأثر في نفوس أولادكم إن سمعوه مراراً وتكراراً مما يجعلهم يفكرون بأنفسهم ذات الشيء.
دعوا أولادكم يعبَرون عن مشاعرهم بطرق صحية وسليمة، ليفصحوا عما يعتريهم من مشاعر وأحاسيس مع الأسرة. لا يفعل الأولاد ما يُطلب منهم لكنهم يقلدون ما يفعله الأهل أكثر، لذا امنحوهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم كما يقدرون. تابعوا أصدقاءهم وكيف يعتنون بصحهتم وغذائهم، إذ يؤثر الأصدقاء على أولادكم أيضاً.
ينصح جاريد باللجوء إلى المدرسة التي ينجح معظمها في إدارة هذه المشكلة. وفي حال تفاقمها، باللجوء إلى المعالج المختص.
مركز علم الأعصاب الألماني، مدينة دبي الطبية، هاتف: 4298578-04